ماذا يريد أردوغان من زيارته للعراق؟ ملخص سياسات لفهم دوافع زيارة الرئيس التركي
- Posted by admin
- Categories البحوث | منظمة ساسة
- Date ديسمبر 31, 2024
- Comments 0 comment
د. شجاع محمود
باحث غير مقيم في ساسة
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد
أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة للعراق لأول مرة منذ 13 عامًا، تخللت الزيارة توقيع مجموعة من مذكرات التفاهم الثنائية والمتعددة، فضلًا عن لقاءات مع قيادات حزبية سنية وتركمانية، والتي حملت رسائل سياسية داخلية موجهة للفواعل السياسية المؤثرة، وخارجية للفواعل الإقليمية المتنفذة على الساحة السياسية التي توسع نفوذها في عراق ما بعد داعش.
الرسائل السياسية الداخلية
في الواقع لم تكن رؤية 2005 للعراق، كدولة واحدة ذات قيم وتطلعات مشتركة، بل مجموعة من المجتمعات المتضررة التي يقودها الخوف من الماضي وأهداف متضاربة للمستقبل، وهذا طبيعي لأن هذه الرؤية كُتبت في المرحلة الانتقالية، إلا أن من غير الطبيعي أن تستمر هذه الرؤية، ويستمر هذا التخوف بين المكونات، وفقدان عامل الثقة بين الأطراف السياسية الممثلة للمكونات الاجتماعية، والذي تعبر عنه دائمًا في اللقاءات السياسية، والذي أتاح للعوامل الإقليمية التدخل في الشأن العراقي، بوصفها ضامنة وراعية للتوافقات والتوازنات السياسية والاجتماعية. ومن هذا المنطلق التقى اردوغان مع القيادات السياسية السنية، التي أراد من خلالها إيصال بعض الرسائل -ونحن هنا في إطار التحليل وليس المعلومة- التأكيد على العائدية السنية، وسحب الملف من التأثيرات الخليجية والأردنية، ومن ثم قدرتها على جمع الأطراف السياسية السنية المتصارعة، ومن ثم قدرتها على تحقيق بعض الاتفاقات التي تستكمل الاستحقاقات الدستورية الخاصة بانتخاب رئيس البرلمان، وهذا يتيح لها القدرة أن يكون لها مساحة واسعة للتفاوض مع الفاعل السياسي الشيعي، من أجل وصف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وليست منظمة محظورة كما وصفتها الحكومة سابقًا، فضلًا عن ذلك، توضح التراتبية في جلوس هذه الزعامات، أن تركيا تدعم بشكل أساسي المشروع السياسي السني الذي يقوم على الليبرالية المحافظة، وهذه ربما رسالة للداخل السني، بضرورة بقاء منصب رئيس البرلمان ضمن هذا المشروع.
الرسائل الخارجية
وجه أردوغان رسائل سياسية للفواعل الإقليمية الفاعلة في المشهد السياسي العراق، وتحديدًا للفاعل الإيراني، الذي نجح إلى حد ما في التأثير في القرار السني بعد عام ٢٠١٨، من خلال استراتيجية الضد النوعي، التي ترمي إلى صنع زعامات سياسية سنية تمكنها من تصدر المشهد السياسي بالشكل الذي يتلاءم مع مصالحها، وترى تركيا أن لعب ايران لهذا الدور من أجل تحجيم أو مقايضة النفوذ التركي، لذا فهي تقصدت بوضع شعار العلم التركي القديم بجانب القيادات السنية، الذي يحتوي على 16 نجمة، تشير كل واحدة منها لدولة أسسها الاتراك عبر التاريخ، والتي كانت خاضعة لسيطرتهم، وتركيا لن تكتفي بحدودها الجغرافية بل بحدودها العاطفية.
فضلًا عن ذلك، إن توقيع مذكرة طريق التنمية التي تعد إحدى نتائج الزيارة، إذ وقعت بين دول العراق والإمارات وقطر وتركيا، والأخيرة تعتقد أن هذا المشروع، ما هو إلا إحياءٌ لمشروع “البصرة-برلين”، الذي كان قد اتفق عليه الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني والسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، قبل أكثر من قرن من الزمان، بهدف ربط الشرق الأوسط بالقارة الأوروبية. كما تطمح تركيا من هذا الطريق والذي يبلغ طوله 1200 كيلو متر داخل العراق، إلى أن يكون نقطة عبور لنقل البضائع من الخليج إلى أوروبا، كما تطمح من خلاله، إلى تحويله لفرصة من أجل تحجيم النفوذ الإيراني، ويمر الطريق بمحافظات البصرة مرورًا بالناصرية، والسماوة، والديوانية، والنجف، والحلة، وكربلاء، وبغداد، وسامراء، وتكريت، والموصل وصولًا إلى فيشخابور، حيث مثلث الحدود العراقية السورية التركية، فضلًا ذلك تهدف إلى محاصرة مصر اقتصاديًا على اساس أن هذا الطريق، سيقلل من قيمة قناة السويس.
إن تحقيق ما يهدف اليه أردوغان في الملف السني يبدو متباينًا، وقد يصطدم ببعض المعوقات المتمثلة بالعامل الإيراني، الذي لا يسمح بتوحيد كامل للقوى السياسية السنية، وقدرته على إيجاد ضد نوعي للمشروع التركي، ولا سيما أن إيران لديها علاقات وطيدة معها، وهي التي نجحت بانضمامها إلى تحالف البناء الذي شكل حكومة عادل عبد المهدي ٢٠١٨، وكما تمكنت من إيقاف التحالف الثلاثي بالثلث المعطل في انتخابات ٢٠٢١، وقد تعمل على عرقلة طريق التنمية بمجرد تغيير حكومة السوداني.